info@biu.edu.lb
009611797601
طباعة |
الإنسان ونعم الله
إن الله أنعم على الإنسان نعماً عظيمة لا
تحصى أوجده من العدم ورباه بالنعم، ولا يزال الإنسان في حاجة إليه ومن
هذه حاله لا يليق به أن يلتجيء إلى غيره، ولا يتوجه بكليته إلا إليه،
قال ابن عطاء الله: (لا تتعد نية همتك إلى غيره) أي لا تتجه إلى غير
الله المنعم المتفضل: تطلبه أو تطلب منه، بل ليكن مولاك من تهتم به
وتعتمد عليه، وتلجأ إليه، في قضاء ما تحتاج إليه، لأن الله وحده هو
القادر الغني المعطي المانع، فهذا النبي محمد – صلى الله عليه وسلم –
يقول لأبي بكر – وقد أحاط العدو بالغار وهما بداخله – (ما ظنك باثنين
الله ثالثهما) وسجل ذلك الوحي
(
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ
إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )
كانا مطمئنين إلى الله واثقين به (
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) ووصل
النبي وصاحبه إلى المدينة سالمين آمنين لم يستطع أن يُلحق بهما ضرراً:
لا المشركون ولا سراقة ولا غيره.
وهذا يونس في بطن الحوت
يستغيث بالله فيغيثه ( فَنَادَى فِي
الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ
مِنَ الظَّالِمِينَ ● فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ).
وهذا موسى يلجأ إلى الله ليحميه من شر
فرعون حين قال: ( ذَرُونِي أَقْتُلْ
مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ
أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ● وَقَالَ مُوسَى إِنِّي
عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ
بِيَوْمِ الْحِسَاب)
فحماه الله وحمى
من نصره
( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا
مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ )
هكذا يحفظ أولياءه لأنه كريم (فالكريم لا
تتخطاه الآمال) المنعم المتفضل الكريم ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً لا يصح
أن تتخطاه آمال المؤمنين، لا بطلب غيره، ولا بالطلب من غيره، لأن جماله
يغني عن اختيار غيره، وإحسانه يصرف الوجه له دون غيره، لأنه لا غيره
إلا به وله، فالرجوع إليه أولى بكل حال لمن يعقل ورفع الحوائج إلى غيره
لا يصح، قال ابن عطاء الله: (لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك).
فالله خلقك محتاجاً
مفتقراً في وجودك وبقائك إليه، فأنت بين نعمتين: الإيجاد، والإمداد،
والله غني قدير، قوي، ومن سواه لا غنى له ولا قدرة ولا قوة، فرفع
الحاجة إلى العاجز الضعيف المحتاج لا يصح عقلاً ولا شرعاً ورد به
الوحي.
ومهما يكن فالإنسان:
أغنياً أم فقيراً، أقوياً أم ضعيفاً، خاضع لله ليس له من أمره شيء،
قهره الله وأخضعه، وإلا فليشفِ نفسه إذا مرض، وليرد عنها الموت إن
استطاع، (
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ
وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
وهذه الآية معللة للتي
سبقتها منقوله
( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا
يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ
الظَّالِمِينَ ) وهذا ما دعا ابن
عطاء الله أن يتعجب ممن يُقبل على غير الله فقال: (فكيف يرفع غيره ما
كان له واضعاً) وذلك لا يصح بحال لأن الله تعالى متصف بالعز والغنى
والاقتدار، وغيره متصف بالذل والعجز والافتقار، قال ابن عطاء: (من لا
يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه، فكيف يستطيع أن يكون لها عن غيره رافعاً)
فمن كان عاجزاً عن الرفع والنفع في حوائجه فهو عن غيره أعجز، فمن قدر
على جلب النفع ودفع الضر خص بذلك نفسه وآثرها على من سواها
(وَلَوْ
كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا
مَسَّنِيَ السُّوءُ ) قيل: إن استغاثة
المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون، يعني في الخروج من السجن.
حسن الظن بالله تعالى
لأجل وصفه: أن تنظر لكماله في جلاله وجماله فتعلم أنه جميل والجميل لا
يفعل إلا جميلاً، فالعاقل لا يقصد لقضاء حاجته إلا الذي لا يزيد على
كثرة السؤال إلا تكرماً لا سيما وقد قام الدليل على أن الله تعالى متصف
بكل كمال منـزه عن أي نقص، فانظر إلى إحسانه السابق وإفضاله اللاحق،
تجد نفسك مغموساً في مننه مغموراً في إكرامه ورحمته، فيحملك ذلك على
حسن الظن به فيما تؤمله منه، وتستعين على ذلك بما شاهدته من فعله
الجميل.
إن العبد مفتقر إلى
مولاه في جميع أحواله، فلابد له منه، ولا غنى له عنه، وفراقه للخلائق
لازم، ومع ذلك تراه يركن إليهم دون مولاه، قال ابن عطاء الله: (العجب
كل العجب ممن يهرب مما لا انفكاك له عنه، ويطلب ما لا بقاء له معه،
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
وذلك وضع للشيء في غير محله، وإتيان به
على غير وجهه: فقدم ما هو مؤخر، وأخر ما حقه التقديم لعمى بصيرته، لأنه
أرسل جوارحه في معاصي الله، وطمع في خلق الله، وتصنع بطاعة الله.
نور الله بصائرنا ووفقنا
لما فيه رضاه.