info@biu.edu.lb
009611797601
طباعة |
الصبر عند الصدمة الأولى
مر النبي – صلى الله عليه وسلم – بامرأة تبكي فقيدها في البقيع على حال يرثى لها فأشفق عليها وقال لها: اتقي الله واصبري واحتسبي، فالموت حق فعلام المبالغة في البكاء على الميت، وقد انتقل من دار إلى دار ومن حال إلى حال. وقول النبي فيه دعوة إلى الإيمان بالله والاستسلام لقضائه والرضى بأحكامه، وهذه المرأة كانت في حزن شديد على فقيدها، لم تبين الرواية مكانه منها أهو زوج بموته خرب بيتها، أم ابنها الذي فقدت بموته صبرها ما جعلها تذهل عن مخاطبة النبي – صلى الله عليه وسلم – فتجيبه: إليك عني فإنك خلو عن مصيبتي. وهذا الجواب فيه غلظة وجفاء يقبح بالعاقل الواعي أن يخاطب به من هو في درجته، فكيف بها توجهه إلى من فرض الله حبه وتعظيمه والتأدب معه وفي مخاطبته، ولا موجب لهذا الجفاء وهذه الغلظة، وخلق الرسول يأبى أن يرد الخطأ بالخطأ خاصة إذا لم ترج من الرد فائدة، القائل أمرأة أكل الحزن قلبها، فتركها النبي ومضى، وكان أحد الصحابة يرى عن بعد ما قال وقالت، فجاء إليها يريد أن يبين لها خطأها بطريقة تجعلها تندم وتسارع إلى طلب العفو من رسول الله، فقال لها – على طريق السؤال – ماذا قال لك رسول الله، قالت: أهو رسول الله؟! قال: نعم، قالت: لم أعرفه، ما أشد لطفه لقد عرفها أن من أساءت إجابته هو محمد رسول الله من فرض الله طاعته وحبه والتسليم له، فأحرجها دون أن يجرحها ما جعلها تسرع إليه تلتمس عفوه وتبدي عذرها أنها لم تعرفه عذر لا يغني ولا ينفع، أليس الأولى بها أن تتأدب مع محدثها كائن من كان فلا تقدم على عمل تندم عليه، إن الله وهب الإنسان ما يعقله عن السفه فيلجم تصرفاته غير اللائقة، فلا يقول إلا خيراً، ولا يعمل إلا صالحاً، ونهاه عن الغضب لأن الغضب يعمي البصيرة ويجعل الهوى يهوي به فيما لا يريد، لذلك أوصى النبي من طلب الوصية بعدم الغضب، وأمر الغضبان أن يغير من حاله، إن كان جالساً فليقف وإن كان واقفاً فليمشِ، وأمره أن يتوضأ ليذهب ما به، فالغضب من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يطفيء النار، ومنع القاضي أن يحكم وهو غضبان مخافة أن يؤثر غضبه على حكمه فيجور فيه.