الرئيسية >> الرّد على مقالة
زواج النبي – صلى الله عليه وسلم – من عائشة وهي بنت 9 سنين أكذوبة
للكاتب : إسلام بحيري .
المنشورة في صحيفة اليوم السّابع بتاريخ 16/10/2008
للشيخ الدكتور الأستاذ صالح يوسف معتوق
*****************************************************************
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه الطيبين، وزوجاتهِ الطاهرات أمهات المؤمنين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وبعد ...
فإنَّ من واجبِ العلماءِ في كلِّ وقتٍ وحين، أن يذبّوا عن الدين، وأن يردوا على شبهاتِ المفترين الحاقدين.
إنَّ هذا الموضوع أ ُثيرَ قديما ً، ويُثارُ حالياً، وربما في المستقبلِ أيضاً، ككثيرٍ من الشبهاتِ والشكوك التي تهدفُ إلى زعزعةِ الثقةِ بالموروثاتِ الثقافيةِ، ودائماً تـُلقى هذه الشبهات على عوامِ المثقفين وغير المختصين، لأنها تثمرُ فيهم، ولا يعرفون لها جواباً .
ولأنَّ كثيراً من الشّبابِ المسلم الملتزم غير مختص بالعلوم الشرعية، ولا يدركُ الهدفَ من نشرِ هذه المقالات، وقد لا يعيرها اهتماماً، وهوَ في الوقتِ نفسهِ لا يعرف الجوابَ العلميَّ المقنع الذي يسقط هذه الشكوك، لهذا السبب، وإجابة ً لطلبِ صديقٍ عزيزٍ قرأَ هذهِ المقالة، وطلبَ مني جواباً شافياً عليها - مع أنهُ قادر على ذلك، ولكن وقتهُ لايسمحُ له بذلك- فأحببت ان أدرسَ هذا الموضوع وفق المنهجِ العلميِّ للردِّ على هذه المقالة، مستندا ً إلى المصادر التي رجع إليها الكاتب، لأبيّنَ أنه لم يكن أمينا ً في كلِّ ما نقله ُ منها، وإنما نقلَ ما يوافقُ فكرته، وأغفلَ ما يعارضها، ثم بنى قضيته على هذه المعلومات المبتورةِ والناقصة، موهما ً القارئ أن ما توصل إليه هو الحقُ الذي لا يقبلُ المناقشة، لأنه مبنيٌّ على حساباتٍ اتفق عليها المؤرخون.
وقبلَ البِدءِ بالرد ، أقول: إني أوافقُ الكاتبَ بأنه توجدُ إشكالية ٌ في هذا الموضوع، ولكن هذه الإشكالية كانت يمكن أن تزولَ من ذهنِ الكاتبِ لو أنصفَ وتامّلَ جيّداً في المصادرِ التي رجع إليها، فإن فيها الجوابَ الشافي.
فإن لم يتوصّل إلى إزالة الإشكالِ لبعدهِ عن فهمِ بعضِ المصطلحاتِ، ولقلةِ خبرتِهِ في كتبِ التراثِ ومناهجِ مؤلفيها، كان عليه أن يسألَ أهلَ الاختصاصِ، ولو كانت نيته سليمة، تبغي الوصولَ إلى الحقيقةِ المحضةِ لأرسلَ مقالته ُ إلى المجلسِ الأعلى للشؤونِ الإسلاميةِ أوإلى هيئةِ كبارِ العلماءِ في الأزهرِ الشريفِ فسيجدُ عندهم الأجوبةَ الشافية َ لكلِّ تساؤلاتهِ.
لكن نشره من غير الرجوعِ إلى أهلِ العلم، وإيرادهِ الشبهاتِ على صفحاتِ المجلاتِ غير المتخصصةِ ينبئُ بأنَّ المقصودَ بهذهِ المقالةِ ليسَ بيان الحقائقِ، وإنما بثُّ الشكوكِ والشبهات بينَ الناسِ في قضايا قديمة، ليست من الأمور التكليفيةِ شرعاً، والجهلُ بها لا يضرُّ بالمسلم.
ولو قصدَ الكاتبُ الحقيقة َ المجرّدة َ لما عنوَن مقالته بعنوانٍ مستفزٍّ (أكذوبة) يُكذِّبُ بها أئمة َ المسلمين المعتمدين الصادقين، وكان من الممكنِ أن يقولَ (خطأ ٌ تاريخيٌّ) بدلا ً من ( أكذوبة ) فإصراره واختياره هذه الكلمة دليلٌ على سوءِ نيته.
وسأرتّبُ ردي هذا وفقَ تسلسلِ المقالةِ المذكورةِ.
ابتدأَ الكاتبُ مقالته بالتشكيك بصحيحي البخاري ومسلم، وذكرَ أنَّ كتبَ السيرةِ والتاريخ تردُّ على الكتابين، وتؤكدُ أن ابنة أبي بكرٍ تزوجت النبي- صلى الله عليه وسلم- وعمرها 18 عاماً.
أقول: إنَّ الكتبَ التي ذكرها الكاتب (وهي الكامل – تاريخ دمشق - سير أعلام النبلاء - تاريخ الطبري- البداية والنهاية - تاريخ بغداد – وفيات الأعيان وغيرها) لم يذكر واحدٌ منها أن عائشة تزوجت وعمرها 18 سنة، بل كلها مجمعة على أن زواجها كان وهي بنت تسع سنين، ولا توجد أقوالٌ أخرى في هذا العمر، وكان المنهجُ العلميُّ المنصفُ يقتضيه أن يقول : إن الاستنتاجات الحسابية التي توصَّلت إليها تعارضُ ما ذكروهُ من أن عمرها كان 9 سنين.
ثمَّ وجهَ سهامه إلى البخاري ومسلم يشكك في مصداقيتهما، ومصداقيّة روايتهما هذه؛ لأنها تخالفُ القرآن والسنة الصحيحة، وتخالفُ المنطقَ والعقل والعرف والعادة، والخط الزمني لأحداث البعثةِ النبوية.
وأقول : إن القارئ للمقالة، يعتقدُ للوهلةِ الأولى أن هذه الرواية لم يروها غير البخاري ومسلم، مخالفيْن كل الروايات الأخرى ، ولكن الحقيقة أن هذه الرواية لم ينفرد بها الشيخان، بل هي موجودة في كل كتب الحديث والسيرة والتاريخ التي تعرضت لزواج النبي من عائشة، فإذا أرادَ الهجوم فليهاجم أصحابَ كل هذه الكتب، وإن إغفاله ذلك خيانة علمية، لِيوهِم َ القارئ بأنه ينتقد فقط الصحيحين، وهو متفقٌ مع أصحابِ الكتبِ الأخرى.
ولنفرض أنه وقعَ اختلافٌ بين الصحيحين - اللذين اشترطَ صاحباهما ألا يوردا فيهما إلا الصحيح – وبين الكتب الأخرى التي لم يشترط أصحابها الصحة، فأيهما ينبغي أن يقدم ويعتمدَ وفقَ المنهج ِ العلميِّ؟!.
ثمَّ ذكر الخط َ الزمنيَّ للبعثةِ النبويةِ، بأنها كانت 13 سنة بمكة، و10 سنواتٍ بالمدينة، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم- خطبَ عائشة قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنين، ودخلَ بها في العام الأول للهجرة، وبما أن الهجرة َ كانت عام 623 م، فهذا يعني بحسبِ روايةِ البخاري أنها ولدت عام 614 م، واعتبر هذا خطأ ً ووهماً كبيراً، ثم أخذ ينقدُ هذه الرواية بحسابِ التاريخ على النحو الآتي:
1- بمقارنةِ عمرها مع عمر أختها السيدة أسماء – رضي الله عنها-، فنقلَ عن المصادر التاريخية أن أسماء كانت تكبرها بعشر سنواتٍ، بلا خلافٍ بين هذه المصادر، وأن أسماء ولدت قبلَ الهجرةِ بـ27 سنة، ومعنى ذلك أن عمر عائشة كان عند الهجرة 17 سنة، وتزوجت في آخر العام الهجري الأول، فكان عمرها 18 سنة.
ثمَّ استدلَّ أيضاً بأن أسماء ماتت سنة 73هـ، وكان عمرها 100 عام، أي كان عمرها عند الهجرةِ 27 سنة، وسن عائشة 17 سنة، وينتج من ذلك أن ولادة عائشة كانت قبل البعثة بأربع سنين، وليسَ بعدها بأربع سنواتٍ.
والجوابُ عن ذلك من وجوه :
أ- صحيحٌ أن المصادرَ التي رجعَ إليها الكاتبُ تذكرُ أن وفاة السيدةَ أسماء كانت سنة 73هـ وكان عمرها 100 عام، ولكن لم يذكر واحدٌ من هذه المصادر أنها ولدت عام 27 قبل الهجرة، فهذا الرقم استنتاجٌ من الكاتب، قد يكون صحيحاً إن صحّتِ الرواية التاريخية، ولم تسلم من المعارضةِ والطعنِ فيها .
ب- لم يكن الكاتبُ أميناً عندما قال(بلا خلاف) فإن المؤرخين الذين ذكرهم وغيرهم غير متفقين على أن أسماء تكبر عائشة بعشر سنين، فهذا مؤرخُ الإسلامِ الذهبي ذكرَ أن أسماءَ تكبرُ عائشة َ ببضعَ عشرة َ سنة، وهذه خيانة ٌ علميّة ٌ.
ج- إن القولَ أن َّ عمر السيدة أسماء عند وفاتها كان 100 عام، ينتجُ منه حسابيا ً أن عمر السيدة عائشة عند زواجها 18 سنة، وهذا استنتاجٌ صحيحٌ، و هو مستندٌ قويٌّ للكاتبِ، لو لم يتعارض مع نصوصٍ أخرى أقوى منه وأصح، وردت في الكتبِ نفسها التي أثبتت أن عمر أسماء حين ماتت كان 100 سنة.
فإن هذه المصادر كلها بلا استثناء صرّحت بأن عائشة تزوجت في العام الأول للهجرةِ وعمرها 9 سنوات، فلو سلمنا بهذا – وهو مسلمٌ به في كتبِ التاريخِ والسيرةِ- يكون عمرُ أسماء حين توفيت 90 سنة لا مائة سنة، كما قال المؤرخون.
وأقول : إنه الصواب ، لأنه موافقٌ للسِّياقِ التاريخيِّ – لما سيأتي- فيكون تحديد عمرها 100 سنة تخمينٌ خاطئ، وهذا الخطأ كثيرا ً ما يقعُ في تحديد الأعمارِ حتى يومنا هذا فيمن لم تسجل سنة ولادتهِ. فكيفَ بالزمن الذي لا توجدُ فيه سجلاتُ ولادة، وإنما تقدرُ الأعمارُ تقديراً، بناءً على أحداثٍ معينةٍ، لذا ينبغي الرجوعُ إلى القرائنِ الأخرى التي نستطيعُ من خلالها الكشفَ عن الخطأ، أو تأكيد الصواب. وسأبيّنُ خطأ َ القول بأن عمرها 100 سنة من خلال الوقائعِ الآتية الواردة في المصادر التي ذكرت أن عمرها 100سنة.
فقد ذكرت المصارد أن الزبير بن العوام- رضي الله عنه- أسلمَ وعمره 16 سنة، وقيل 8 سنوات، وتزوج أسماء، وولدت له عبد الله في السنة الأولى للهجرة، وأنه توفي سنة 36 للهجرة. وكان عمره 64 سنة، وقيل : بضعاً وخمسين سنة، قال الذهبي وهو الأشبه...
فمن قال أسلمَ وعمره 16 سنة يكون عمره عند موته 64 سنة، ومن قال أسلم وعمره 8 سنوات يكون عمره عند موته بضعاً وخمسين سنة.
فإذا كان عمر أسماء سنة 73 للهجرة 100 سنة، فهذا يعني أن عمرها عندما قتل زوجها 63 سنة، أي إن زوجها يكبرها بسنة، أو تكبره بسبع سنين، وهذا أمرٌ مستبعد ، لأن العادة َ أن يتزوج الرجل من هي أصغرُ منه – إلا لسبب- و ألا يؤخرَ زواجهُ إلى سنِّ السادسةِ والعشرين.
وعلى قول الكاتب فإن عمرها عندما تزوجت كان 26 سنة وعندما ولدت عبد الله كان عمرها 27 سنة، وعمر الزبير 28 أو 20 سنة على الأرجح، وهذا – أيضاً – مستبعد أن يتأخرَ زواجُ البنت إلى هذه السن، فالصوابُ المنطقيُّ والتاريخي و الاجتماعي أن يقال: إن عائشة تزوجت في السنةِ الأولى للهجرةِ وعمرها 9 سنوات، فيكون عمر أختها وقتها 19 سنة – على افتراض انها تكبرها بـ 10 سنوات- وهو سنٌّ مناسبٌ لزواجها من الزبير الذي كان عمره 20 أو 28 سنة.
وبهذا الحساب نستنتجُ حسابياً أن ولادة أسماء كانت قبل البعثة بستِّ سنواتٍ، وبما أنها تكبر عائشة بـ 10 سنوات، فتكون ولادة عائشة في السنةِ الرابعةِ للبعثة، وهذا السياق الزمني التاريخي يكشفُ خطأ َ من قال إن عمر أسماء عند وفاتها كان 100 سنة، فإن هذا القول يلزمنا أن نكذب هذه المصادر نفسها التي ذكرت سنة ولادةِ الزبير و زواجه، وسنة وفاة أسماء وولادتها، وولادة عائشة وتاريخ زواجها .
د- قارن الكاتبُ بين عمري السيدة عائشة والسيدة فاطمة – رضي الله عنهما -، فنقلَ عن ابن حجر في الإصابة رواية ليست بالقوية – كما قال – تقول : إن فاطمة ولدت قبل البعثة بـ 5 سنين، وأنها أكبرُ من عائشة بخمس سنين، وبناءً على ذلك تكون ولادة السيدة عائشة في السنة الأولى للبعثة، ويكون عمرها حين تزوجت 13 سنة وليس 9 سنوات.
والجواب أن هذا الاستنتاج يناقضُ استنتاجهُ السابقَ بأن عمرها كان 18 سنة.
ثم إن هناك خلافاً في الفارقِ العمري بين السيدتين الفاضلتين، فها هو الحافظُ الذهبيُّ – وهو أسبق من الحافظ ابن حجر و روايته أقوى – يقول : إن فاطمة أسنُّ من عائشة بثماني سنين، وهذا القول هو الأولى والأصح والمناسب للسياق التاريخي، وهو لا يتعارضُ مع النصوصِ الثابتةِ.
لقد أوهمَ الكاتبُ قرّاءهُ بقوله إن فاطمة تكبُرُ عائشة بخمسِ سنين أنه قولٌ مسلمٌ به، وليسَ الأمرُ كذلك، و إذا أردنا أن نرجِّحَ بين قولي الذهبي وابن حجر رحمهما الله تعالى فإننا نجدُ قولَ الذهبي هو الأقوى؛ لأنه لا يتعارضُ مع الرواياتِ الثابتةِ الصحيحةِ التي اشترطَ أصحابها الصحة، بينما قولُ ابن حجر – وهو قولٌ غير قوي – يتعارضُ مع ذلك، ومع ما ذكره ابن حجر نفسه في أكثرِ من موضعٍ في كتبهِ، وصرَّحَ فيها بأن عمر عائشة كان 9 سنوات، فيكون قول ابن حجرفي الفارقِ العمري بينها وبين فاطمة وهما ً منه وغفلةً.
ثم إن القول بأن فاطمة ولدت قبل البعثة بخمس سنين ليسَ ثابتاً أيضاً ، فقد ذكرَ الذهبي في ترجمةِ فاطمة في سيرِ أعلام النبلاء أن ولادتها قبل البعثة بنحو سنة، وهناك من قال : ولدت بعد البعثةِ بسنة، وهذه الأقوالُ أغفلها الكاتبُ لأنها تناقضُ ما يرمي الوصولَ إليه.
وذكرَ المؤرخون أن فاطمة توفيت بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – بأشهرٍ، في السنة 11 للهجرة، وكان عمرها 24 أو 25 سنة، أو أكثر ما قيل29 سنة، والأول (24 سنة) هو الأصح.
فإذا كان هذا عمرها حين توفيت في السنة 11 للهجرة، فهذا يعني أن ولادتها كانت عام 1 للبعثة،أو بعدها بسنة، والأول أصح، وبما أنها تكبرٌ عائشة بخمس سنين فتكون ولادة عائشة في أواخر السنة الرابعة للبعثة لا قبلها،و يكون عمرها حين تزوجت 9 سنين.
وإذا افترضنا أن ولادة فاطمة كانت قبل البعثة بخمس سنين، فلا بدَّ أن نأخذَ بالرأي القائلِ أنها تكبر عائشة بثماني سنوات، وبذلك تكون ولادة عائشة في السنة الرابعة أو الثالثة للبعثة ، ولا يكون تعارض بين الروايتين.
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية وغيره من المؤرخين أن عائشة -رضي الله عنها- توفيت سنة 58 أو 57 هـ ، وعمرها 67 سنة، وبعمليةٍ حسابيةٍ يتقنها تلاميذ المدرسة الابتدائيّةِ ينتجُ أن ولادتها كانت قبل الهجرة بتسع سنوات أو عشر سنوات، أي في السنة الثالثة أو الرابعة للهجرة.
ثم هناكَ أمرٌ آخر، وهو أن جميعَ المؤرخين الذين اعتمدَ عليهمُ الكاتبُ متفقون على أن سِن عائشة عند وفاةِ النبي - صلى الله عليه وسلم – كان ثماني عشرة سنة، وهذا يؤيدُ ولادتها في السنة الرابعةِ للبعثة. وكل هذا يدحضُ الحسابات التي توصّل إليها الكاتب.
أمّا اعتماده على قولِ الطبري: ( إن أولادَ أبي بكرٍ كلهم ولدوا في الجاهلية) فيعارضُ كلامَ الذهبي وغيره بأن عائشة ممن وُلِدَ في الإسلام.
ويمكن حمل كلام الإمام الطبري على أولاده من زوجتهِ الأولى قـُـتيلة بنت عبد العزى، وهي أم عبد الله وأسماء، وقد طلقها أبو بكرٍ - رضي الله عنه- ولم تـُسلِم.
أمّا عائشة فهي من زوجتهِ الثانيةِ أم رومان، التي ولدت له أيضاً عبد الرحمن ، وأسلمت، وماتت في السنة السادسة للهجرة.
وتزوج أبو بكرٍ أيضاً أسماءَ بنت عميس، بعد استشهادِ زوجها جعفر بن أبي طالبٍ في غزوة مؤتة في السنة الثامنةِ للهجرة، وولدت له محمداً.
ثم تزوج حبيبة بنت خارجة الأنصارية ،وولدت له أم كلثوم بعد وفاته.
وقد ذكر الطبري هذه الزيجات، لذلك يجب أن نحملَ قوله على أولاده من زوجته الأولى.
ثم إني لأعجبُ من هذا الكاتب الذي يكذبُ علماءَ الأمة وأئمتها المعتمدين، بناءً على السياق الزمني التاريخي للأحداث، كيف يجهلُ أن لأبي بكرٍ أربعَ زوجاتٍ، أم أن زوجات أبي بكرٍ الأخريات خارج السياق التاريخي الذي يدرسه !!! وكيف يجهلُ أن أبا بكرٍ تزوج اثنتين منهنَّ بعد السنة الثامنة للهجرة، وأنجبَ منهنَّ أولاداً، ثمَّ يصرُّ على أن جميعَ أولاد أبي بكرٍ ولدوا في الجاهلية !! ويا ليته يعرفُ أسماء أولاد أبي بكرٍ ومتى ولدوا، يغلبُ على ظني أنه يعلم ذلك، ولكنه يخفي هذه الأدلة القوية التي تنسفُ كل حساباتهِ.
ثم استدل بقولِ ابن كثيرٍ في البداية والنهاية عندما عدّد أسماء الذين سبقوا بالإسلام فقال : (...وأسماء بنت أبي بكرٍ وعائشة وهي صغيرة، فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو خفية ، ثم أمر الله تعالى رسوله بإظهار الدعوة) واستنتجَ من هذا النص وجودَ عائشة في السنة الثالثة للبعثة وأنها كانت تعقل حتى أسلمت، وهذا مناقضٌ لما في الصحيحين.
وأجيبُ عن هذا : بأن ما نقله ابن كثير إشكالٌ تاريخيٌّ، يجبُ فحصه وتدقيقه بالمجهر التاريخي والمنطقي، وكما ذكرت سابقاً فإن كتبَ التاريخ لم يشترط أصحابها إيرادَ الصحيح فقط، فإنهم ينقلون كل ما وصل إليهم من أخبار سواء كان صحيحاً أم لا، بخلاف صاحبي الصحيحين فقد اشترطا الصحة.
وقد تتبعتُ هذا القول فوجدت ان ابن كثيرٍ قد نقلَ ذلك عن دلائل النبوة لأبي نعيمٍ الأصبهانيّ، ووجدت أبا نعيمٍ نقلَ النص عن السيرةِ لابن إسحق، ثم وجدتهُ في السيرةِ النبوية لابن هشامٍ المأخوذة من سيرة ابن إسحق.
وهذا الخبر مشكل، لأنه يتعارضُ مع كلامهم الذي سيذكرونه فيما بعد، والذي يصرح بأن عائشة ولدت في السنة الرابعةِ للبعثة، ثم وجدتُ الذهبي قد نقلَ هذا النص في سيرِ أعلامِ النبلاءِ 1/144، فذكرَ أنَّ عددَ من أسلمَ قديماً خمسونَ شخصاً، ثمَّ ذكرهم واحداً واحداً بأسمائهم، ولم يذكر عائشة فيهم.
وما أوردهُ الذهبي هو الذي يصح وفق المجهرِ التاريخي، ويُعَلِّلُ ذكر عائشة فيهم بأنه وهمٌ أو سبقُ قلمٍ من ابن إسحق،تابعه عليه أبو نعيم وابن كثير، من غيرِ أن ينتبهوا إلى أنه سيتناقضُ مع ما سيذكرونه عند زواج النبي – صلى الله عليه وسلم- من عائشة وأن عمرها كان 9 سنين.
ثم استدل الكاتب بقول البخاري عن عائشة: (لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوماً إلا يأتينا فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- طرفي النهار، بكرةً وعشياً، فلما ابتليَ المسلمون خرج أبو بكرٍ مهاجراً قبل الحبشة).
وقال: ولا أدري كيف أخرج البخاري هذا، والهجرةُ إلى الحبشة كانت في السنة الخامسة للبعثة، فمعناها أن عائشة كانت تعقلُ وتعي ما يحدثُ ، وهذا ينقضُ ولادتها في السنة الرابعة للبعثة.
وجوابُ هذا الإشكل سهلٌ جداً، وهذهِ سقطة ٌ كبيرة ٌ من الكاتب، و وهمٌ كبيرٌ منه ناشئٌ عن عدمِ معرفتهِ بالسياق الزمني لأحداثِ البعثةِ النبويةِ – وهو الذي يزعمُ أنه يكذب البخاري معتمداً هذا السياق – ويدلُّ على جهلهِ بتطوراتِ أحداثها.
وذلك لأن الهجرة إلى الحبشة الواردة في حديث السيدة عائشة – رضي الله عنها – هي الهجرة الثانية إليها ، وكانت بعد السنة العاشرة – أي بعد وفاة السيدة خديجة وأبي طالب – عندما ازداد اضطهادُ المشركين للمسلمين، فأرادَ أبو بكرٍ أن يهاجر فلم يأذن له النبي – صلى الله عليه وسلم -.
فالإمام البخاري لم يناقض نفسه - كما زعمَ الكاتب- وقد أوردَ البخاري هذا الحديث في مواضعَ عديدةٍ في صحيحهِ وأرقامُ أحاديثها 464 - 2031- 2175-3693-3694- 547- 5729، و بعض هذه الروايات تصرح بأنه أرادَ الهجرة إلى المدينة المنورة ففي كتاب اللباس ، باب التقنع، رقم الحديث 5470، قالت عائشة : ( هاجرَ الناسُ إلى الحبشة من المسلمين، وتجهزَ أبو بكرٍ مهاجراً. قال النبي – صلى الله عليه وسلم- : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي ) أي بالهجرةِ إلى المدينة، فهذا دليل على أنها ليست الهجرة الأولى إلى الحبشة.
وأخرج البخاري أيضاً في كتاب الأدب، باب هل يزور صاحبه كل يوم ، عن عائشة قالت : ( لم أعقل أبوَيَّ إلا وهما يدينانِ الدين، ولم يمر علينا يومٌ إلا يأتينا فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- طرفي النهار، بكرة ً وعشيا ً، فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكرٍ في نحرِ الظهيرةِ قال قائلٌ: هذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في ساعةٍ لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكرٍ: ما جاء بك في هذه الساعةِ إلا أمر ؟ قال: إني قد أُذِن َ لي بالخروج).
هذه الرواية تفسرُ الرواية التي أوردها الكاتب، ولو أتعبَ نفسه قليلا ً، وكان منصفاً وموضوعياً وأميناً في نقلِ النصوصِ لرجعَ إلى هذه الرواية فتبين له خطأ ما توهمه، ولظهرَ له جلياً استحالة أن تكون الهجرة إلى الحبشة المذكورة هي الهجرة الأولى، وأن عمر عائشة في حينها كان أكثر من 7 سنين.
ثم أورد الكاتب حديثاً من مسندِ الإمام أحمد فيه: ( إن خولة بنت حكيم قالت يا رسول الله، ألا تتزوج - بعد وفاة خديجة - ؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيبا ً. قال: فمن البكر ؟ فقالت: أحب خلقِ الله إليك، عائشة بنت أبي بكر ...).
واستنتج من هذه الرواية أن عرض خولة لعائشة على النبي – صلى الله عليه وسلم- معناه أن سنها أصبح مناسبا ً للزواج كالثيب، ولا يعقل أن تعرضها وهي ابنة 6 سنين.
أقول: إن هذا ليس دليلا ً على أن سنها حين تزوجت كان 18 سنة، بل هو استنتاجٌ بأنها صارت صالحة للزواج، وعدم تقبل عقل الكاتب لخطبة بنت صغيرة ناتجٌ عن جهلٍ بعاداتِ العربِ القديمة، فقد كانت تخطبُ الصغيرة في بعض الأحيان، بمعنى أن تحجز لهذا الشخص حتى لا يخطبها غيره، ثم لا يبني بها إلا بعد البلوغ،ومن عاداتهم أيضاً أن العظيم إذا أرادَ أن يكافئ شخصاً ما يخطب ابنته، دلالة على محبته وتكريماً له، ولما لم يكن لأبي بكرٍ من البنات في هذا الوقت إلا عائشة كان طلبها تعبيرا ً عن حبِّ النبي – صلى الله عليه وسلم – وإكراماً له.
ثم استدل الكاتب بأن المطعم بن عدي أراد أن يخطبَ عائشة لابنه جبير، وهذا يدل على أنها كانت في سِنٍّ جاهزةٍ للزواج، وأن عمرها أكثر من 6 سنوات.
والجواب عنه: أن هذا أكبر دليل على أن خطبة الصغيرة كان معروفاً عند العرب، ولذلك لم ينكر أحد على النبي – صلى الله عليه وسلم- خطبته هذه.
ثم استشهد الكاتب بحديث البخاري في باب بل الساعة موعدهم،عن عائشة قالت: ( ولقد أنزل على محمد بمكة،وإني جارية ٌ ألعبُ (بل الساعة موعدهم والساعة ُ أدهى وأمر).
وقال : والمعلوم أن سورة القمر نزلت بعد أربع سنوات من البعثة، مما يدل على أنها ولدت قبل ذلك بأعوام.
والجواب عنه أن هذا دليلٌ آخر على عدم جديّةِ الكاتب في البحثِ عن الحقيقةِ المجرّدة، فإنه لو أتعبَ نفسه قليلاً، ونظرَ في المصحف، لوجدَ فيه أن الآيات 44-45-46 من سورةِ القمر مدنية، فالسورة مكية ولكن هذه الآيات المذكورة مدنية، نزلت بعد غزوة بدر، فالبخاري يعي ويعقل ما يروي، وإنما التناقض هو في فهم الكاتب، بسبب جهله بأن في السور المكية آيات مدنية، وكذا العكس، كان من الواجب عليه أن يذهب إلى أهل العلم ليعلموه.
ثم ذكر حديث " لا تنكح البكر حتى تستأذن " الذي رواه البخاري، وقال: فكيف لا يطبق الرسول هذا الحكم على زواجه، وكيف يتزوج عائشة من غير أن يأخذ أبوها إذنها، ثم هل إذن الصغيرة ينتج أثرا ً شرعيا ً فإنها غير مكلفة.
والجواب أن الحديث واردٌ في البكرِ البالغِ، أما الصغيرة ُ فلا إذنَ لها شرعا ً، ولا عرفاً، ولا قانوناً، بل لوليّها الحق أن يزوجها من يراهُ صالحاً لها.
ولما أنهى الكاتب نقد المتن حسب السياق التاريخي – بزعمه- شرعَ ينقدُ الحديثَ من حيث سنده، وليته لم يورط نفسه فيما لا علمَ له فيه، وليته إذا جهل سأل أهل الاختصاص، فلعلموه ولأفهموه، فإن شفاء العي السؤال، ولكن الذي يبدو أنه لا يريد أن يتعلم ولا أن يفهم، وظن أن ما توصل إليه من نتائجَ سبق علمي تفوق القدرة الذهنية لعلماء الدين ، وهو يريد أن يفرضَ رأيه هذا على القراء لأن القصد زرع َ الشكوكِ وإلقاء الشبهات، لا الحقيقة المجردة.
وقد بنى نقده للسند على أساس أن الحديث الذي رواه البخاري في سن أم المؤمنين جاء من خمسِ طرق، وهي :
1- ما رواه علي بن مسهر(120-189 هـ) عن هشام بن عروة ( 61-146 هـ) عن أبيه عن عائشة .
( ملحوظة: ما بين الأقواس ليس من الكاتب).
2- أبو أسامة ( واسمه حماد بن أسامة الكوفي 120-201 هـ) عن هشام عن أبيه .
3- وهيب ( بن خالد 107-165 هـ) عن هشام عن عائشة.
4- سفيان (الثوري 97- 161 هـ) عن هشام عن أبيه عن عائشة.
5- سفيان (الثوري) عن هشام عن أبيه.
وقال : إن الروايات كلها ترجع إلى عروة، وهشام هو الذي رواه عن أبيه عروة، وتكمن المشكلة في السند في هشام فإن ابن حجر قال في مقدمة فتح الباري :( كان مالك لا يرضاه، بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم الكوفة ثلاث مرات، قدمه يقول: حدثني أبي، قال سمعت عائشة، وقدم الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة ، وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة).
ثم قال : والمعنى ببساطة أن هشام بن عروة كان صدوقاً في المدينة، ثم لما ذهب إلى العراق بدأ حفظه يسوء، وبدأ يدلس، أو ينسب الحديث لغير راويه، ثم يقول أبي بدلاً من سمعت أو حدثني، و إن الروايات الموجودة في البخاري قال فيها هشام: عن أبي، و لم يقل سمعت أو حدّثني، و هذا يؤدّي إلى الشك في السّند، و إنّ هذه الروايات رواها عنه أهل الكوفة، و حديث هشام في الكوفة لا يقبل، و لم يرو هذا الحديث أحد من أهل المدينة، ثم قال: و هذا من أكبر الأدلة على رد هذه الروايات و رفضها.
و قبل الجواب عن هذا الإشكال أود أن أنقل أقوال الأئمة المعتمدين في هشام بن عروة، لنتأكد من ثقة و عدالة هشام، فإن جميع الأئمة قد احتجوا به خلافاَ لما أوهمه الكاتب.
قال الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال 4/301-302: (هشام بن عروة، أحد الأعلام، حجة إمام، لكن في الكبر تناقص حفظه، و لم يختلط أبداً، و لا عبرة بما قاله أبو الحسن بن القطّان من أنه و سهيل بن أبي صالح اختلطا و تغيرا، نعم الرّجل تغيّر قليلاً، و لم يبق حفظه كما هو في حال الشبيبة، فنسي بعض محفوظه أو وهم، فكان ماذا؟ أهو معصومٌ من النسيان؟!
و لما قدم العراق في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم، في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها، و مثل هذا يقع لمالك و شعبة و لوكيع و لكبار الثقات.
فدع عنك الخبط، و ذر خلط الأئمة الأثبات بالضعفاء والمخلطين، فهشام شيخ الاسلام، و لكن أحسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطّان.
و كذا قول عبد الرحمن بن خراش: كان مالك لا يرضاه، نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم الكوفة ثلاث مرات، قدمة كان يقول: حدثني أبي قال سمعت عائشة، و الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، يعني يرسل عن أبيه، بلغ هشام سبعاً و ثمانين سنة).
و قال في سير أعلام النبلاء 6/24-47: ( مات سنة 146هـ و صلّى عليه أبو جعفر المنصور... و قال يعقوب بن شيبة: هشام ثبت لم ينكر عليه الا بعد مصيره إلى العراق، فإنّه انبسط في الرواية، و أرسل عن أبيه مما كان سمعه من غير أبيه عن أبيه).
و إليك كلام ابن حجر في مقدّمة الفتح ص 448: ( هشام بن عروة بن الزبير بن العوّام، مجمع على تثبته، إلا أنّه في كبره تغيّر حفظه، فتغيّر حديث من سمع منه في قدمته الثالثة إلى العراق، قال يعقوب بن شيبة: هشام، ثبت ثقة، لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنّه انبسط في الرّواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده.
والذي نراه أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمع منه، فكان تساهله أنه أرسل عن أبيه ما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه. قلت: هذا هو التدليس. أما قول ابن خراش: كان مالكٌ لا يرضاه، فقد حكي عن مالكٍ فيه أشد من هذا، وهو محمولٌ على ما قال يعقوب، وقد احتج بهشام جميع الأئمة).
أقول بعد هذا : إن هشام بن عروة، إمامٌ لا يقبل الجرح فيه، ومن طعن في حفظه فإنما طعن فيما رواه في قدمته الثالثة على العراق، وليس في كل القدمات ، كما أوهم الكاتب.
فهل تأكد الكاتب أن هؤلاء الرواة كلهم سمعوا منه في المرة الثالثة وهم أئمة في الحديث، وكان صغار طلبة الحديث في ذلك الزمن يبكرون في سماع الحديث، ويرحلون في طلبه، فمن المستبعد على أئمةٍ عظامٍ مثل سفيان الثوري وعلي بن مسهر ووهيب أن لا يرحلوا إلى المدينة للسماع من هشام وغيره، ومن المستبعد أيضا ً أن يأتي هشام مرتين إلى الكوفة وينتظر هؤلاء إلى قدمته الثالثة للسماع منه فهل كان عندهم علم الغيب بأنه سيعيش ويأتي مرة ثالثة .
وأقول أيضا ً: إن اتفاق رواية هؤلاء عن هشام، وعدم اختلافهم دليل على أنه جوّدَ هذه الرواية ولم يخطئ فيها، فإنه لو أخطأ لاختلفت رواياتهم، فهم في الأغلب الأعم لم يسمعوامنه جميعاً في مجلسٍ واحدٍ، وذلك بسبب تفاوت أعمارهم.
ولنفترض جدلاً أن هشاماً أخطأ في روايته، وأن كلَّ العراقيين الذين رووا عنه هذا الحديث سمعوه منه في القدمة الثالثة فقط، فهل هذا يوجب تكذيبه وتخطئته، ويوجب تكذيب القول بأن عمر عائشة حين تزوجت كان 9 سنوات؟
هذا سؤالٌ ينبغي أن يطرحهُ كل باحثٍ عن الحقيقةِ العلميَّةِ المجرّدةِ.
والجواب عن هذا : إن قوله " إن كل الذين رووه عن هشام من العراقيين " غير صحيح ( ولا أريد أن أقول : كذب، كما تجرأ الكاتب بقوله أكذوبة) فقد جاء في فتح الباري7/225 في كتاب مناقب الأنصار ، باب تزويج النبي – صلى الله عليه وسلم – عائشة، ح3896، قال ابن حجر :
" أخرجَ الإسماعيليُ من طريق عبد الله بن يحيى عن هشام عن أبيه... ونكحَ النبي – صلى الله عليه وسلم- عائشة بعد متوفى خديجة، وعائشة بنت ست سنين ،ثم بنى بها و هي بنت تسع سنين".
فهذا يبطل و يكذب قوله إن كل من رواه عائشة هم من العراقيين، فإن الراوي عن هشام هنا مدني و ليس عراقياً، و هو ابن أخي هشام بن عروة، فاسمه عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير.
وأما اعتماده على أن مالكاً لم يقبل حديثه في العراق، فليس على إطلاقه – كما بينا ـــ بل هو محمولٌ على روايته في القدمة الثالثة، وأنى للكاتب أن يثبت أن جميع هؤلاء الرواة سمعوا منه في المرة الثالثة .
ثم لننظر نظرةً فاحصة ً أخرى لهذه الروايات، هل انفرد بها هشام بن عروة؟ فليس لنا مصدر آخر في عمر السيدة عائشة عند زواجها إلا ما رواه هشام؟ أم أن هذا الأمر كان معروفاً وشائعاً عند جميع المسلمين في ذلك الوقت.
فإن لم نجد أحداً أخبرَ بعمرها عند زواجها إلا هشاما ً، ولم يحدث هشام بهذا إلا في القدمة الثالثة إلى العراق، فلربما نسلم للأستاذ بالنتيجة التي توصّلَ إليها.
ولكن إن وجدنا بعدَ البحث والتقصي رواةً آخرين – غير هشام- رووا عن عائشة مثلما روى هشام فيجب على الأستاذِ الكاتب أن يسلم لنا بعدم خطأ عروة، لأنه إنما روى أمراً مشهوراً معروفاً، ولوجبَ عليه أن ينشرَ في المجلة نفسها تكذيباً لنتائجه، واعترافاً بمصداقية صحيحي البخاري ومسلم.
وقد بحثت عن هذا الأمر، فعثرت على عدة رواياتٍ عن غير هشامٍ تذكرُ أن عمر السيدة عائشة - رضي الله عنها- عندما تزوجت كان 9 سنوات.
فقد أوردَ ابن سعد في الطبقات الكبرى 8/58-60 في ترجمة السيدة المصون، عدة روايات تؤيدُ هذا المعنى: وسأقتصرُ على ذكرِ ثلاثةٍ منها.
1- عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قالت سمعت عائشة – رضي الله عنها – تقول: تزوجني رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في شوال سنة عشر من النبوة ، قبل الهجرة بثلاث سنين، وأنا ابنة ست سنين.... وكنت يوم دخلَ بي ابنة تسع سنين.
فهذه الرواية ليست عن هشام ولا عن أبيه.
2- عن سفيان عن أبي إسحق عن أبي عبيدة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تزوج عائشة وهي ابنة سبع سنين، وبنى بها وهي ابنة تسع .
فهذه الروايةعن أمينِ الأمة أبي عبيدة بن الجرّاح، ليسَ فيها هشام ولا أبوه.
3- عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أنَّ رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – تزوجها وهي ابنة تسع سنين.
وهذه الرواية أيضاً ليسَ فيها هشام ولا أبوه.
ألا تثبِتُ هذه الروايات وغيرها صحةَ ما رواه هشام وعدم خطئهِ.
فكلُّ هذه أدلة ٌ وحقائق تثبتُ وتؤكدُ صحةَ ما رواه البخاري ومسلم في سن أم المؤمنين عائشة عند زواجها، من حيثُ السندِ والمتنِ والسّياقِ التاريخيّ، وهيَ تدحضُ كلَّ الشكوك و الاعتراضات التي جاءَ بها الكاتبُ ، وتبينُ زيفَ معلوماته، وبأن ما ذكره ما هو إلا أكذوبة ، وتظهرُ كذلك افتقاره إلى الخبرةِ بكتبِ التاريخ والتراجم والحديث، وتثبتُ بما لا يدعُ مجالاً للشكِ صحةَ ما شاعَ واشتهر عندَ علماءِ المسلمين قاطبة ً بأن عمر السيدة عائشة حين زواجها كان 9 سنوات لا 18 سنة.
واللهُ سبحانَهُ وتعالى هوَ الموفقُ والهادي إلى صراطهِ المستقيم، وهوَ الفتاحُ العليمُ، ولهُ الحمدُ والمنة أولاً وآخراً.
صيدا في 15/5/1434 هـ وكتبه
27/3/2013 م أ.د الشيخ صالح يوسف معتوق
- جدول المحاضرات للعام الجامعي
1438/1439هـ = 2017/2018م - مذكرة ادارية
- أسماء الكتب
للسنة الجامعية 2017 - 2018 - توصيف المواد
- جدول امتحانات الفصل الثاني-حزيران
للعام الجامعي 1438/1439هـ = 2017/2018م - إعلان مناقشة
أطروحة دكتوراه - إعلان مناقشة
رسالة ماجستير